الْشَّيْخ /سُلْطَان بْن صَقْر الْقَاسِمِي (رَحِمَه الْلَّه)

الْشَّيْخ /سُلْطَان بْن صَقْر الْقَاسِمِي (رَحِمَه الْلَّه)

- ‎فيسيرة الذين تربطهم علاقة معه
2482
0
صورة مصغرة تلقائية

الْشَّيْخ /سُلْطَان بْن صَقْر الْقَاسِمِي (رَحِمَه الْلَّه)
( 1303 – 1370 هـ)
( 1885 – 1950 م)

هُو رَائِد الْحَرَكَة الْأَدَبِيْة وَالْثَّقَافِّيَّة وَوَاحِدا مِمَّن كَان هَمُّهُم بِنَاء الْفِكْر الْجَدِيْد وَمُحَارَبَة الْجَهْل وَنُشِر الْمَعْرِفَة وَتَشْجِيع كُل عَمَل أَدَبِي صَادِق ، وَقَبْل أَن نُوَرَد نُبْذَة مِن حَيَاتِه وَدَوْرِه الْثَّقَافِي لَابُد أَن نُشِيْر إِلَى أَن وَاقِع الْحَيَاة الِاقْتِصَادِيَّة و الْاجْتِمَاعِيَّة فِي مَدِيْنَة الْشَّارِقَة آَنَذَاك سَاعَد كَثِيْرَا فِي تَطْوِيْر الْحَرَكَة الْثَّقَافِيّة وَظُهُوْر الْشُّعَرَاء فَقَد شَهِدَت إِمَارَة الْشَّارِقَة مُنْذ مَطْلَع الْقَرْن الْتَّاسِع عَشَر الْمِيْلَادِي حَيَاة مُسْتَقِرَّة وَمُتَطُورَة نَوْعَا مَا تِجَارِيّا وَثَقَافِيا .وَأَدَّى النَّشَاط الاقْتِصَادِي الْقَائِم عَلَى رِحْلَات الْأَسْفَار الْبَحْرِيَّة وَتِجَارَة الْلُّؤْلُؤ إِلَى نُمُو هَذِه الْمَدِيْنَة وازْدِهَارِهَا فَفُتِح ذَلِك الْنَّمُو الْمَجَال لِنَقُل الْكَثِيْر مِن الْتَّجَارِب الْحَضَارِيَّة إِلَى الْبِلاد ، كَالمَدارِس الْتَطَوُّرِيَّة الَّتِي كَان يُمَوِّلُهَا تُجَّار الْلُّؤْلُؤ ، كَمَا نَشِط الْتُّجَّار وَالْمُصْلِحُوْن وَالْأُدَبَاء وَالْمُثَقَّفُون فِي عَلَاقَاتِهِم وَاتِّصَالَاتِهُم مَع رُمُوْز الْفِكْر الْعَرَبِي ، مِمَّا سَاعَد عَلَى امْتِدَاد جُسُوَر هَذِه الْعَلَاقَات لِتَشْمَل كَافَّة الْمَجَالَات فَأَثْمَرَت بَعْد ذَلِك حَرَكَة ثَقَافِيَّة وَلِيْدَة كَان يُغَذِّيَهَا وَيَدْفَعُهَا أَدِيْب تَوَلَّى الْحُكْم فِي الْشَّارِقَة وَقَام بِدَوْر كَبِيْر فَي تَرْسِيْخ تِلْك الْتَّجَارِب وَرِعَايَتِهَا ، وَتَأْمِيْن تَفَاعَلَهَا فِي الْمُجْتَمَع فَظَهَرَت فِي مَدِيْنَة الْشَّارِقَة الْمَدَارِس وَالْمَكْتَبَات وَالْمُنْتَدَيَات وَالْمَظَاهِر الْحَضَارِيَّة الْحَدِيْثَة الَّتِي لَم تَكُن مَعْرُوْفَة قَبْل ذَلِك .
مَوْلِدُه
قَبْل أَن نَتَكَلَّم عَن مَوْلِدِه ، وَتَعْلِيْمِه ، يَنْبَغِي أَن نُشِيْر إِلَى تَسَلْسُل الْحُكْم فِي أَجْدَادِه مُنْذ تَأَسَّس الْحُكْم الْقَاسِمِي فِي إِمَارَات الْسَّاحِل فَقَد كَانَت الْشَّارِقَة فِي الْعُصُوْر الْمَاضِيَة مَدِيْنَة تِجَارِيَّة مَشْهُوْرَة ، حُكْمُهَا الْقَوَاسِم مُنْذ قَدِيْم الْزَّمَان وَلَم تَعْرِف حُكَّامَا تَوَلَّوْا الْحِكَم فِيْهَا سِوَاهُم .
وَسُلْطَان الْثَّانِي ، كَمَا هُو وَاضِح مِن شَجَرَة الْأَسِرَّة الْحَاكِمَة فِي الْشَّارِقَة يَنْتَمِي إِلَى عَدَد مَن الْجُدُوْد الَّذِيْن تَوَلَّوْا الْحُكْم خِلَال عِدَّة قُرُوْن مَضَت .
فَهُو : ( سُلْطَان بْن صَقْر بْن خَالِد بْن سُّلْطَان بْن صَقْر بْن رَاشِد بْن مَطَر بْن رَحْمَة بْن مَطَر الْقَاسِمِي )وُلِد فِي مَدِيْنَة الْشَّارِقَة سُنَّة 1885م ، وَيَأْتِي مِن حَيْث الْتَّرْتِيْب الْوَلَد الْثَّانِي مِن أَوْلَاد الْشَّيْخ صَقْر بْن خَالِد الْقَاسِمِي حَاكِم الْشَّارِقَة مَا بَيْن 1883-1913م أَمَّا الْوَلَد الْأَكْبَر فَهُو الْشَّيْخ خَالِد ، وَعِنْد وَفَاة وَالِدُهُم كَان الْشَّيْخ سُلْطَان وَإِخْوَانِه مَازَالُوا صِغَارَا .
نَشْأَتِه وَتَعْلِيْمِه
نَشَأ الْشَّيْخ سُلْطَان فِي كَنَف وَالِدِه الْشَّيْخ صَقْر بْن خَالِد رَحِمَه الْلَّه أَمَّا وَالِدَتِه فَهِي الْمَرْحُوْمَة الْشَّيْخَة ( شَيْخَة بِنْت خَمِيْس بْن سَالِم الَّهُوْلي ) .فِي بِدَايَة حَيَاتِه تَعَهَّدْتَه وَالِدَتِه بِالْتَّرْبِيَة هُو وَإِخْوَتُه وَكَان الْشَّيْخ صَقْر بْن خَالِد يُحْرَص عَلَى تَعْلِيْم أَوْلَادِه قِرَاءَة الْقُرْآَن الْكَرِيْم وَالِاسْتِمَاع إِلَى الْخُطَب وَالْمَوَاعِظ الْدِّيْنِيَّة لِذَا أَوْصَى زَوْجَتِه بِتَعْلِيْمِهِم عَلَى يَد مَشَايِخ وَعُلَمَاء كَانُوْا يَزُوْرُوْن الْشَّارِقَة فِي تِلْك الْفَتْرَة ،فَنَشَأ مُحِبّا لِلْقُرْآن ، مُتَذَوِّقا لَآيَاتِه مُقْبِلا عَلَيْه مُنْذ الْصِغَر ، وَفِي ذَلِك الْوَقْت دّرْس الْشَّيْخ سُلْطَان فِي الْمَدْرَسَة الَّتِي ظَهَرَت وَقْتَذَاك فِي الْشَّارِقَة وَهِي ( الْمَدْرَسَة الْتَّمِيْمِة الْمَحْمُوْدِيَّة ) إِلَى جَان أَن الْشَّيْخ صَقْر بْن خَالِد كَان يَدْعُو الْمُطَّوِّعِيْن الْمُتَمَيِّزِين إِلَى تَعْلِيْم أَبْنَائِه الْصِّغَار الْعُلُوم الْدِّيْنِيَّة وَتَحفيْظِهُم الْقُرْآَن الْكَرِيْم مُنْذ وَقْت مُبَكِّر ، فَسَاعَدَهُم ذَلِك عَلَى تَعَلُّقُهُم بِالْعُلُوم الْدِّيْنِيَّة وَحُبُّهُم لِلْمَعْرِفَة وَالْثَّقَافَة . وَفِي بِدَايَة حَيَاتِه دّرْس الْشَّيْخ سُلْطَان عَلَى يَد الْمُؤَرِّخ الْأَدَيِّب عَبْد الْلَّه بْن صَالِح الْمْطَوِّع ، وَهَذَا مَا ذَكَرَه الْمْطَوِّع فِي شَرْحِه لنونِيّة الْأَدِيب إِبْرَاهِيْم بْن مُحَمَّد الْمِدْفَع ، حَيْث قَال :
وَيَوْم عَهْد إِلَي بِتَعْلِيْم الْأُمَرَاء الْشَّيْخ سُلْطَان بْن صَقْر وَإِخْوَانِه أَبْنَاء الْشَّيْخ صَقْر بْن خَالِد سُنَّة 1323هـ/1913م ، نُقِلَت الْكِتَاب الَّذِي وَرَّثْتُه عَن أَبِي وَجَدِّي وَيُحِق لِي أَن أُسَمِّيْه كِتَاب الْأُمَرَاء وَالْأَعْيَان – إِلَى شِبْه مَدْرَسَة عَصْرِيَّة ( دَعِيَّة بِالْمَدْرَسَة الْقَاسِمِيَّة )فَدَخَلَهَا مَعَهُم وَصَار زَمِيْلَا لِلْشَّيْخ سُلْطَان بْن صَقْر رَحِمَه الْلَّه وَصَدِيْقَا حَمِيْمَا لَه ، وَخُتِمَا الْقُرْآَن فِي مُدَّة قَصِيْرَة وَتَعَلُّما مَبَادِىء الْتَّوْحِيْد وَالْعُلُوم الْدِّيْنِيَّة عِنْد الْشَّيْخ عَبْد الْكَرِيْم بْن عَلِي الْبَكْرِي وَالْخَط عِنْد ابْن مُقْلَة زَمَانِه أَحْمَد بْن عَبْد الْرَّحْمَن الهِرَمْسي الْمَعْرُوْف بـ( ابُو سُنَيْدّة ) فَأَتَقْنَاه وَصَار خُّطُهُمَا أَشْبَه بِخَطِّه ، وَفِي ذَلِك الْوَقْت كَان الْشَّاعِر ( ابُو سُنَيْدّة ) أَوَّل مَن مَارَس تَعْلِيْم الْخَط وَفُنُوْنَه وَكَانَت دِرَاسَة الْشَّيْخ سُلْطَان بْن صَقْر وَتَعْلِيْمِه الْخَط عَلَى يَدَيْه حَتَّى أَتْقَنَه كَمَا ذَكَر الْمْطَوِّع وَيُشِيْر إِلَى أَنَّه دَرَّس عَلَى يَد صَفْوَة مَن الْمُعَلِّمِيْن وَهَذَا سَاعِدُه فِي مَيْوِلَه الْأَدَبِيْة وَحُبَّه لِلْثَقَافَة وَتَفَانِيَه فِي خِدْمَة الْمُثَقَّفِيْن .
وَلَقَد دّرْس الْشَيْخ فِي الْتَّيْمِيَّة الْمَحْمُوْدِيَّة رَائِدَة الْتَّعْلِيْم شِبْه الْنِّظَامِي فِي إِمَارَات الْسَّاحِل أَو إِمَارَات سَاحِل عَمَّان وَهِي الْمَدْرَسَة الَّتِي أَسَّسَهَا الْتَّاجِر وَالْمُصْلِح الْشَّيْخ عَلِي بْن مُحَمَّد فِي سَنَة 1907م وَأَحْضَر لَهَا الْعُلَمَاء وَالْمَشَايِخ لِيَتَوَلَّوْا الْتَّعْلِيْم فِيْهَا مِمَّا جَعَل مِنْهَا الْمَدْرَسَة الْرَّائِدَة فِي الْمِنْطَقَة .
وَقَد دَرَس الْشَّيْخ سُلْطَان بْن صَقْر فِي بِدَايَة ظُهُوْر هَذِه الْمَدْرَسَة وَتَتَلْمَذ عَلَى يَد عُلَمَاء كِبَار وَكَان مِن الْعُلَمَاء الَّذِيْن تَتَلْمَذ عَلَى أَيْدِيَهِم الْعَلِامَة الْشَّيْخ عَبْد الْكَرِيْم بْن عَلِي الْبَكْرِي مُدِيْر مَدْرَسَة الْتَّيْمِيَّة الْمَحْمُوْدِيَّة عِنْد نَشْأَتِهَا ، فَدَرَس عَلَى يَدَيْه الْلُّغَة الْعَرَبِيَّة وَأُصُوْل الْفِقْه وَالْنَّحْو وَالْصَّرْف وَمَن مُعَلِّمِيْه أَيْضا فَضِيْلَة الْشَّيْخ عَبْد الْعَزِيْز أُل سُلَيْمَان وَالْشَّيْخ سَالِم بْن مُحَمَّد الْيَمَانِي .
وَكَان هَؤُلَاء مِن الْعُلَمَاء الْكِبَار الَّذِيْن زَارُوْا الْإِمَارِات وَاسْتَقَرُّوْا فِي الْشَّارِقَة وَمَارَسُوْا الْتَّعْلِيْم فِي الْمَدْرَسَة الْتَّيْمِيَّة فَأَخَذ الْشَّيْخ سُلْطَان مِنْهُم الْعُلُوم الْدِّيْنِيَّة وَانْكَب عَلَى دِرَاسَة الْأَدَب الْعَرَبِي .
وَسَاعَدَه فِي ذَلِك أَنَّه دَرَّس عَلَى يَد مُعَلِّمِيْن كِبَار بَعْضُهُم كَانُوْا شُعَرَاء أَو أُدَبَاء مِمَّا سَاعَد فِي نُمُو مَوْهِبَتُه الْشِّعْرِيَّة إِذ مَال بَعْض طَلِبَة الْمَدْرَسَة إِلَى دِرَاسَة الْأَدَب وَفَن الْشِّعْر وَالتَّعَرُّف إِلَى الْشُّعَرَاء الْعَرَب وَدَّوَاوِيْنْهُم وَقِرَاءَة قَصَائِدَهُم كَمَا دَرَسُوْا الْشِّعْر الْجَاهِلِي وَشَعْر الْنَّهْضَة وَاتِّجَاهاتِه وَمَجَالاتِه فَغَرَس ذَلِك فِيْهِم حَب الْشِعَر وَتَذَوُّقِه مُنْذ تِلْك الْفَتْرَة الْمُبَكِّرَة مِن حَيَاتِهِم وَهَذَا مَا جَعَل الْشَّيْخ سُلْطَان يَعْتَنِي بِالْأَدَب خَاصَّة الْشِعَر وَيَهْوَى حَفِظَه وَتَرْدِيْدُه وَالْتَّمَثُّل بِه فِي حَدِيْثِه .
وَقَد كَان طُلُاب الْتَّيْمِيَّة الْمَحْمُوْدِيَّة يَتَلَقَّوْن تَعْلِيْما شِبْه حَدِيْث عَلَى يَد نُخْبَة مِن الْعُلَمَاء وَالْأَسَاتِذَة الَّذِيْن تَوَاجَدُوٓا فِي الْبِلَاد خِلَال تِلْك الْفَتْرَة وَنَبَغ مِنْهُم فِي الْأَدَب وَالْشِّعْر وَالْخَطَابَة وَالْفَصَاحَة وَكِتَابَة الْمَقَالَات وَمِنْهُم الْمُصْلِحُوْن وَالْقُضَاة .
وَمُنْذ صِغَرِه كَان الْشَّيْخ سُلْطَان قَد ظَهَرَت عَلَيْه مُيُوَل أَدَبِيَّة وَاهْتِمَام بِالْلُغَة الْعَرَبِيَّة وَالْنَّحْو وَحِفْظ الْشِعَر وَالْحُكْم وَالْأَمْثَال وَالأَنَاشِيْد الْوَطَنِيَّة ، وَقِرَاءَة الْقَصَص الْتَّارِيْخِيَّة إِلَى جَانِب أَنَّه تُمَيِّز فِي حَدِيْثِه بِاخْتِيَار الْكَلِمَات وَالْمَعَانِي الْمُعَبِّرَة عَمَّا يُرِيْد أَن يَقُوْل ، وَكَان يُطْعِم حُوَارَاتِه بِالْقِصَص وَالْمَوَاقِف الْتَّارِيْخِيَّة وَهَذَا دَلِيْل عَلَى ثَقَافَتِه وَتَمَكُّنِه مِن الْمَعَارِف وَالْعُلُوْم الَّتِي دَرَسَهَا آَنَذَاك أَو قَرَأَهَا فِي حَيَاتِه وَلَقَد دّرْس مَعَه فِي الْتَّيْمِيَّة الْمَحْمُوْدِيَّة عَدَد مِن أَبْنَاء الْشَّارِقَة وَمَن بَيْنَهُم نُذّكِّر مِن زُمَلَائِه فِي هَذِه الْمَدْرَسَة كَلَّا مِن : (( الْشَّيْخ مُحَمَّد بْن صَقْر الْقَاسِمِي ، وَالْشَّيْخ مَاجِد بْن صَقْر الْقَاسِمِي ، وَحُمَيْد بْن رَاشِد بْن عَبْد الْلَّه الْكِنْدِي ، سَالِم بْن عَلِي الْمَحْمُوْد أَو سَالِم الْأَوَّل كَمَا زَامِلَه فِي الْمَدْرَسَة سُلْطَان بْن عَب الْلَّه الْمَنَاعِي وَعَبْد الْلَّه بْن عَلِي الْمَحْمُوْد وَإِبْرَاهِيْم بْن مُحَمَّد الْمِدْفَع وَمُحَمَّد بْن سُلْطَان بِو عَلِيَّان، وَعَبْد الْعَزِيْز بْن سَيْف الْمِدْفَع أَو عَبْد الْعَزِيْز الْأَوَّل وَحَمِد بَن مُحَمَّد الْمَشغُوْنِي وَأَحْمَد بْن عَلِي الْمَنَاعِي وَالْشَّيْخ عَبْد الْعَزِيْز بِن عَبْد الْرَّحْمَن بْن شُهَيْل وَأَحْمَد بْن سَالِم الْمَزْرُوع وَعَبَد الْرَّحْمَن بْن سَعِيْد الْمِدْفَع وَمُحَمَّد بْن عَلِي الْمَحْمُوْد )) .
وَهَؤُلَاء يُمَثِّلُون الْجِيْل الْأَوَّل الَّذِيْن دَرَسُوْا فِي الْتَّيْمِيَّة الْمَحْمُوْدِيَّة وَتَلَقَّوْا تَعْلِيْما مُتَطَوِّرا وَكَانُوْا الْصَّفْوَة الْمُثَقَّفَة فِي الْبِلَاد وَكَانَت لَهُم إِسْهَامَات فِي مَجَالَات عِدَّة ، حَيْث كَان مِنْهُم الْمُعَلِّمُوْن وَبَعْضُهُم تَوَلَّوْا الْمَهَام وَالْمَسْؤُوْلِيَّات لِيُسَاهِمُوا فِي بِنَاء الْبِلَاد وَمِن هَؤُلَاء مَثَلا الْأَدِيب إِبْرَاهِيْم بْن مُحَمَّد الْمِدْفَع وَهُو مِن زُمَلَاء الْشَّيْخ سُلْطَان وَأَحَد أَصْدِقَائِه الْمُقَرَّبِيْن ، وَعِنْدَمَا تَوَلَّى الْحُكْم اخْتَارَه لِيَكُوْن مُسْتَشَارُه وَرَفِيْقُه فِي أَسْفَارِه وَزِيَاراتِه .
وَقَبْل أَن نَتَطَرَّق إِلَى عَلَاقَات الْشَّيْخ سُلْطَان وَدَوْرِه الْثَّقَافِي بَعْد أَن تَوَلَّى الْحُكْم لَا بُد مِن الْإِشَارَة إِلَى قِصَّة تَوَلَّيْه الْحِكَم فِي الْشَّارِقَة ، وَكَيْف أَن الْظُّرُوْف وَقْتَذَاك كَادَت أَن تُبْعِدُه عَن الْسَّاحَة تَمَامَا لَوْلَا الْعِنَايَة الْإِلَهِيَّة وَوُقُوْف رِجَال وَأَهَالِي الْشَّارِقَة إِلَى جَانِبِه يُؤَازِرُونَه وَيُؤَيِّدُون مَسَاعِيْه فِي اسْتِعَادَة حَكَم أَبِيْه ، حَيْث كَان هُو الْابْن الْأَكْبَر لِلْشَّيْخ صَقْر بْن خَالِد الَّذِي تَوَلَّى الْحُكْم بَيْن 1883-1913م .
تَوَلَّيْه الْحِكَم فِي الْشَّارِقَة
عِنْدَمَا أَحَس الْشَّيْخ صَقْر بْن خَالِد بِدُنُّو الْأَجَل أَوْصَى ابْن عَمِّه الْشَّيْخ خَالِد بْن أَحْمَد الْقَاسِمِي أَن يَتَوَلَّى الْحُكْم إِلَى أَن يُكَبِّر ابْنَه سُلْطَان ثُم يُسَلِّمُه زِمَام الْحُكْم غَيْر أَن ذَلِك لَم يَحْدُث ، حَيْث ظَل الْشَّيْخ خَالِد مُمْسِكَا بِزِمَام الْحُكْم خِلَال ( 1913-1923م ) وَعِنْدَهَا أَخ الْشَّيْخ سُلْطَان يُعَد نَفْسِه لِاسْتِعَادَة حُكْم وَالِدِه ، فَلَجَأ هُو وَإِخْوُانُه إِلَى الْشَّيْخ سَعِيْد بِن مَكْتُوْم حَاكِم دُبَي فَقَرَّبَهُم الْشَّيْخ سَعِيْد وَأَنْزَلَهُم عِنْدَه فِي مِنْطَقَة الشَّنَدْغة وَكَان ذَلِك فِي عَام 1919م ، وَفِي مَارَس 1923م تَزَوَّج الْشَّيْخ سُلْطَان مِن ابْنَة الْشَيْخ عَبْد الْرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْشَامِسُي أَمِيْر الْحَيْرَة وَهِي ( أَم صَقْر ) الْشَّيْخَة نَوْرَة ، وَكَان الْشَّيْخ عَبْد الْرَّحْمَن وَقْتِهَا عَلَى خِلَاف شَدِيْد مَع الْشَّيْخ خَالِد بْن أَحْمَد وَكَذَلِك مَع الْسَّيِّد عِيْسَى بْن عَبْد الْلَّطِيْف وَكِيْل الْدَّوْلَة الْبِرِيطَانِيَّة فِي الْمِنْطَقَة فَالْتَقَت الْمَصَالِح وَالْظُّرُوْف جَمِيْعَهَا لِخِدْمَة الْشَّيْخ سُلْطَان حَيْث وَقَف أَمِيْر الْحَيْرَة إِلَى جَانِب صِهْرِه وَالْشَّيْخ سُلْطَان ، فِي مُحَاوَلَاتِه لِاسْتِعَادَة الْحُكْم .

وَفِي سَنَة 1923م ، بَعْد اسْتِقْرَار الْشَّيْخ سُلْطَان وَإِخْوَانِه فِي دُبَي بَدَا بِالْمُنَاوشَات لِاسْتِعَادَة الْحُكْم وَقَام بِالمُحَاولَات الْعَدِيدَة لِزَعْزَعَة الْوَضْع دَاخِلَيْا ثُم تَوْحِيْد الْجُهُوْد مَع مَن يُؤَيِّدُه وَيُسانَدِه مِن الْجَمَاعَات وَالْنَّاس مِمَّن وُقِفُوا مَعَه فِي تَحْقِيْق هَدَفِه .

وَكَان الْأَمِير عَبْد الْرَّحْمَن الَّذِي هَب لَمُسَاعَدَتِه مَعْرُوْفا بِشَجَاعَتِه وَحَنَّكَتْه الْسِّيَاسِيَّة وَعَدَم خَوْفِه فَتَهَيَّأَت لِسُلْطَان كُل الْظُّرُوْف وَمِنْهَا مُسَانَدَة طَائِفَة مِن قَبِيْلَة الِّمَانَصِيّر الَّذِيْن دَعَاهُم صِهْرِه لِلْقِيَام بِهَذِه الْمُهِمَّة ، وَكَذَلِك دَوْر جَدِّه أَبِي وَالِدَتِه الْمَرْحُوْم خَمِيْس بْن سَالِم الَّهُوْلي وَشَرِيكِه فِي الْتِّجَارَة أَحْمَد بِن حُسْن إِلَى جَانِب قِيَام بَعْض الْتُّجَّار وَالْأَعْيَان بِتَزْوَيَدِه بِالْمَال وَسَارَت الْخِطَّة الَّتِي وَضَعَهَا عَلَى مَا يُرَام حَيْث وَصَل مَع عَدَد مِن رِفَاقِه فِي الْلَّيْل إِلَى مَدِيْنَة الْشَّارِقَة ، وَعِنْد وُصُوْلِهِم صَعِّدُوْا الْغُرَف وَالْمَنَازِل الْعُلْوِيَّة الَّتِي كَانَت تَتَكَوَّن مِن طَابِقَيْن ، وَكَمَنُوا فَوْقَهَا ، وَذَهَبَت فِرْقَة أُخْرَى إِلَى الْبُرْج الْنَّائِي عَن الْبِلَاد فِي مِنْطَقَة ( الْفَلَج ) الَّذِي كَان يُسْتَخْدَم لِحِرَاسَة مِيَاه الْشَّارِقَة وَالْهَدَف مِن ذَلِك قَطَع مِيَاه الْشُّرْب عَن الْنَّاس حَتَّى يُبَايِعُوَا سُلْطَان عَلَى الْحُكْم ، وَكَان يَتَوَلَّى الْعَمَلِيّات مُبَاشَرَة الْأَمِير عَبْد الْرَّحْمَن وَكَانَت الْخُطَّة تَقْتَضِي نَوْعَا مِن الْحِيلَة فَقَامُوْا بِإِرْسَال ( جَالِبَوُت ) يَحْتَوِي عَلَى تْنِكَات بِهَا مَاء لِلْشُّرْب ، وَكَانَت الِتَانُكَات مُغْلَقَة جَيِّدَا بِالِلِحَام وَأَشَاعُوا بَيْن الْنَّاس أَن سَفِيْنَتَيْن قَادِمَتَيْن مِن فَارِس بِهِمَا نِفْط أَو ( كِيْرُوسِيّن ) وَهُو مَعْرُوْف مَحَلِّيّا ( جَاز ) وَلَمَّا وَصَلْت الْسَّفِينَتَان ، كَان الاعْتِقَاد بِأَنَّهُمَا نِفْط لَكِنَّه مَاء لِلْشُّرْب خَاص لِسُلْطَان وَمَن مَّعَه ، وَتَم إِنْزَال الِتَانُكَات فِي بَيْت عَلَى الْبَحْر فِي فَرِيْج ( آَل بِو مَهَيْر ) .
وَبَدَأَت الْصَّدَمَات دَاخِل الْمَدِيْنَة حَيْث كَان سُلْطَان وَإِخْوَتِه وَمَعَه الْمَنَاصِيْر ، أَمَّا خَالِد بْن أَحْمَد فَكَان يُسَانِدُه الْعَوَامِر ، وَوَقَعَت الْحَرْب فِي أَزِقَّة الْشَّارِقَة وَعَلَى أَطْرَاف الْبُيُوْت وَاسْتَمَرَّت لِمُدَّة اسْبُوع كَامِل ، وَلَم تَتَوَقَّف الْحَرْب إِلَا بَعْد أَن تَدْخُل الْسَّيِّد عِيْسَى بْن عَبْد الْلَّطِيْف ، حَيْث أُرْسِل بِرُقْيَة عَاجِلَة إِلَى الْمُعْتَمَد الْإِنْجِلِيْزِي الَّذِي كَان يَتَّخِذ مِن الْبَحْرَيْن مَقَرا لَه لِيُعَلِّمُه مَا يَجْرِي فِي الْشَّارِقَة وَعَلَى أَثَر ذَلِك وَصَلَت إِلَى مِيْنَاء الْشَّارِقَة بَارِجَة حَرْبِيَّة إِنْجِلِيْزِيَّة ، شَعْب الْشَّارِقَة مَع مَن ؟
فَرْد عَلَيْه عِيْسَى مَع سُلْطَان بْن صَقْر فَقَالُوَا ، إِذَا الْحُكْم لِسُلْطَان وَيُخْرِج خَالِد بْن أَحْمَد وَلَمَّا خَرَج خَالِد وَأَبْنَاؤُه وَمَن مَّعَه وَقَبْض سُلْطَان الْحُكْم نَادَى الْمُنَادِي ، الدَّوْر دَوْر سُلْطَان وَهَكَذَا اسْتَطَاع سُلْطَان بْن صَقْر أَن يَسْتَعِيْد حَكَم أَبِيْه ، وَقَد حَدَث ذَلِك ظَهَر يَوْم ( 17 رَبِيْع الْثَّانِي 1343 هـ ) وَهُو تَارِيْخ تَوَلَّيْه الْحِكَم فِي إِمَارَة الْشَّارِقَة .
وَفَاتِه:
فِي نِهَايَة عَام 1948م عَاد الْشَّيْخ سُلْطَان مِن بُوْمْبَاي إِلَا أَنَّه كَان مَا يَزَال مُتَّوَعْكا وَيُعَانِي مِن آَلَام فِي مَعِدَتِه فَأَشَار عَلَيْه الْمُسْتَشَار الْإِنْجِلِيْزِي أَن يَذْهَب إِلَى بَرِيْطَانْيَا لِلْعِلَاج ، وَفِي سَنَة 1950م عَزَم الْشَّيْخ سُلْطَان عَلَى الْسَّفَر إِلَى لَنْدَن وَكَانَت هَذِه الْسُّفْرَة رِحْلَة الْوَدَاع الْأَخِيرَة حَيْث وَافَتْه الْمَنِيَّة وَهُو يَتَلَقَّى الْعِلَاج هُنَاك فنْتَقُل جُثْمَانَه إِلَى الْشَّارِقَة عَلَى مَتْن طَائَة مِن الْخُطُوط الْجَوْيَّة الْمِلْكِيَّة لَيُوَارِى الْثَّرَى فِي بَلْدَة الْشَّارِقَة وَبِانْتُقَال الْشَّيْخ سُلْطَان بْن صَقْر الْقَاسِمِي إِلَى بِارِئَه طَوَيْت صَفَحَات مِن تَارِيْخ الْبِلَاد وَحِقْبَة مِن الْحُقُب .كَان خِلَالَهَا الْفَارِس الْكَبِيْر ، نُقِل الْبِلَاد إِلَى مَرْحَلَة جَدِيدَة مِن الْتَّطْوِيْر وَالازْدِهَار ، هُو الْشَّاعِر الْفَصِيح وَالْأَدِيْب االمُفُوه ، فَتَح أَبْوَاب الْثَّقَافَة وَالْأَدَب أَمَام الْمُثَقَّفِيْن وَكَانَت رِعَايَتِه لِلْمُثَقَّفِيْن مِن رِجَالِه وَأَصْدِقَائِه وَأَصْفِيَائِه شَغَلَه الْشّاغِل وَهُمُّه الْأَوَّل ، وَالْحَقِيْقَة أَن مَا قَام بِه الْشَّيْخ سُلْطَان بْن صَقْر الْقَاسِمِي فِي تَارِيْخ الْثَّقَافَة وَالْأَدَب وَالْشِّعْر الْعَمَوَدِي أَدَّى لِظُهُوْر الْكَثِيْر مِن الْأَنَوَية الْثَّقَافِيّة فِي مَدِيْنَة الْشَّارِقَة فَشَهِدَت الْبِلَاد تَأَسَّس الْمَدَارِس وَالْمَكْتَبَات وَالْأَنْدِيَة وَالْمُنْتَدَيَات كَالمُنْتَدَى الْإِسْلَامِي وَالأَروِقة وَالْصَّحَافَة وَازْدَهَرَت الْحَرَكَة الْشِّعْرِيَّة وَظَهَر شُعَرَاء الْفُصْحِى ، وَكَان هُو وَاحِدَا مِن هَؤُلاء الْشُّعَرَاء الْكِبَار بَل الْرَّائِد الْأَوَّل لِلْحَرَكَة الْثَّقَافِيّة خِلَال فَتْرَة الْثَّلاثِيْنَات وَحَتَّى نِهَايَة الْأَرْبَعِيْنَات .

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *