الْشَّيْخ /عَبْدِالْكَرِيْم الْبَكْرِي (رَحِمَه الْلَّه)
طَلَبَه لِلْعِلْم وَرَحَلَاتُه
عِنْد بُلُوْغ الْشَّيْخ / عَبْد الْكَرِيْم سَن الْتَّمْيِيْز أَدْخَلَه وَالِدِه كَتَاتِيْب بَلْدَة الْبِكِيْرِيَّة ،
فَتَعْلَم فِيْهَا مَبَادِئ الْقِرَاءَة وَالْكِتَابَة ، وَحِفْظ الْقُرْآَن الْكَرِيْم عَن ظَهْر قَلْب ، ثُم شَرَع بَعْد ذَلِك بِطَلَب الْعِلْم عَلَى عَالَم مَدِيْنَه الْبِكِيْرِيَّة آَنَذَاك الْشَّيْخ / رُمَيْح بْن سُلَيْمَان آَل رُمَيْح ، فَقَرَأ عَلَيْه فِي مَبَادِئ الْعُلُوم الْشَّرْعِيَّة فِي الْتَّوْحِيْد وَالْحَدِيْث وَالْفِقْه ،
ثُم تَطْلُع لِطَلَب الْعِلْم خَارِج مَدِيْنَتِه ،فَسَافَر وَهُو فِي الْعِشْرِيْن مِن عُمْرِه إِلَى الْرِّيَاض ، فَقَرَأ عَلَى بَعْض مَشَايِخِهَا مِنْهُم الْشَّيْخ /عَبْدِالْلَّه بْن عَبْد اللَّطِيْف آَل الْشَّيْخ فِي الْعُلُوم الْشَّرْعِيَّة ، الْفِقْه وَالْحَدِيْث وَالتَّفْسِيْر وَغَيْرِهَا ، وَقْد حَبِّب إِلَيْه (يَرْحَمْه الْلَّه)عِلْم الْحَدِيْث أَكْثَر مَن الْعُلُوم الْشَّرْعِيَّة الْأُخْرَى،
فَحَمَلَه ذَلِك عَلَى الْسَّفَر إِلَى الْهِنْد حَيْث كَانَت تَزْخَر بِكَثِيْر مِن الْمُحَدِّثِيْن الْكِبَار آَنَذَاك ، فَمَكَث بِهَا عِدَّة سَنَوَات ، يَقْرَأ فِيْهَا عَلَى عَدَد مَن عُلَمَائِهَا فِي الْحَدِيْث وَالتَّفْسِيْر وَغَيْرِهِمَا ، حَتَّى تُبْحِر فِي عِلْم الْحَدِيْث ، وَصَار لَه إِطَّلَاع وَاسِع
وَكَان أَثْنَاء إِقَامَتِه هُنَاك بالْهِنْد يُحْرَص عَلَى بَيَان حَقِيْقَة دَعْوَة الْشَّيْخ مُحَمَّد بِن عَبْد الْوَهَّاب رَحِمَه الْلَّه وَأَنَّهَا دَعْوَة إِلَى إِخْلاص الْدِّيْن لِلَّه وَحْدَه ، وَالسِّيَر عَلَى نَهْج الْسَّلَف الْصَّالِح ،
وَمِن حِكْمَتِه فِي بَيَان ذَلِك أَنَّه حَمَل مَعَه عَدَدَا مِن مُؤَلَّفَات الْشَّيْخ مُحَمَّد بْن عَبْد الْوَهَّاب ، وَمِن أَهَمِّهَا كِتَاب الْتَّوْحِيْد ، فَكَان يَقْرَأ فِيْهَا فِي أَوْقَات فَرَاغِه ،فَبَقِي الْشَّيْخ عَبْدِالْكَرِيْم حَوَالَي خَمْس سَنَوَات يَطْلُب الْعِلْم فِي الْهِنْد بِالْمَدِينَتَين نِيُودِلْهِي وَهوبْلي.
ثُم عَاد بَعْدَهَا إِلَى الْخَلِيج فِي سَنَة 1325هـ ، وَاسْتَقَر فِي إِمَارَة عَجْمَان لِنَشْر الْعِلْم وَالْدَّعْوَة إِلَى الْلَّه تَعَالَى ، أَقَام بِضِيَافَة /حَمِيْد بْن عَلِي الْمَزرُوعِي فِي بَيْتِه- وَكَان عِنْدَه مَكْتَبَة وَافِرَة بِأُمَّهَات الْكُتُب الْشَّرْعِيَّة لَاسَيِّمَا فِي عِلْم الْحَدِيْث أَحْضَرَهَا مَعَه مِن بِلَاد الْهِنْد , وَيُعَد رَحِمَه الْلَّه تَعَالَى مِن أَجِلَّة الْعُلَمَاء الَّذِيْن بَرَزُوْا فِي تِلْك الْفَتْرَة وَلَدَيْه اطِّلَاع وَاسِع فِي كُتُب شَيْخ الْاسْلَام ابْن تَيْمِيَّة عَلِم الْتَّوْحِيْد وَالْمُعَتَّقَدَات , وَقَد تَمَيَّز بِرَجَاحَة الْعَقَل وَحُسْن الْخُلُق فَضْلَا عَن كَوْنِه مِن أَهْل الْتَّقْوَى وَكَرَم الْنَفْس , وَهَذِه هِي الْأَسْبَاب الَّتِى دَعَت الْشَّيْخ /عَلَي الْمَحْمُوْد إِلَى أَن يَطْلُب مِنْه الْمَجِيْء لِإِمَارَة الْشَّارِقَة لِلْتَّدْرِيس فِي مَدْرَسَتِه الْتَّيْمِيَّة الْمَحْمُوْدِيَّة الَّتِى أَسَّسَهَا عَام 1907م.
وَنَظَرَا لِمَا يَتَمَتَّع بِه الْشَّيْخ /عَبْدِالْكَرِيْم الْبَكْرِي مِن كَفَاءَة وَمَهَارَة وَعَلَّم رَاسِخ وَإِجَادَة لِفَن الْتَّرْبِيَة وَالْتَّعْلِيْم فَقَد عَيْنِه الْشَّيْخ/ عَلَي الْمَحْمُوْد مُدَّيْرَا لِهَذِه الْمَدْرَسَة , وَذَلِك فِي عَهْد الْمَغْفُوْر لَه الْشَّيْخ /صَقْر بْن خَالِد الْقَاسِمِي ثُم عَهِد الْشَّيْخ /خَالِد بْن أَحْمَد بْن سُلْطَان , وَبَعْض مَن عَهْد الْمَغْفُوْر لَه الْشَّيْخ /سُلْطَان بْن صَقْر الْقَاسِمِي . وَاسْتَمَر فِي إِدَارَتِه لِلْمَدْرَسَة وَالْقِيَام بِأَعْبَائِهَا إِلَى أَن أُغْلِقَت بَعْد 16 عَامّا مِن افْتِتَاحُهَا .
ثم بَعْد إِغْلَاق الْمَدْرَسَة الْتَّيْمِيَّة الْمَحْمُوْدِيَّة بِخَمْس سَنَوَات أُنْشِئَت مَدْرَسَة الْفَتْح بُعُجُمَان بَيْن عَامَي ( 1347-1348هـ – الْمُوَافِق1928 -1929م)
وَكَان الْشَّيْخ /عَبْدِالْكَرِيْم الْبَكْرِي بَعْد إِغْلَاق الْمَدْرَسَة الْتَّيْمِيَّة وَقَبْل افْتِتَاح مَدْرَسَة الْفَتْح لَا يَزَال مُقِيمَا فِي الْشَّارِقَة ثُم تُعْرَض لِحَادِثَة اغْتِيَال فَقَد حَدَث أَن ضَرَبَه أَبُو إِبْرَاهِيْم الْنَّجْدِي فِي الْشَّارِقَة بِالْسَّيْف عَلَى يَدَيْه إِثْر نِزَاع وَقَع بَيْنَهُمَا مِّمَّا جَعَلَه يُذْهِب إِلَى الْهِنْد لِلْعِلَاج.
لَمَّا عَاد الْشَّيْخ مَن الْهِنْد رَأَى أَن يُقِيْم فِي الْخَلِيْج لِنَشْر الْعِلْم وَالْقِيَام بَالدَّعْوَة إِلَى الْلَّه تَعَالَى و تَّبْصِيْر الْنَّاس بِحَقِيْقَة الْدِّين الْخَالِص الَّذِي بَعَث بِه الْمُصْطَفَى صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم ، وَإِزَالَة مَا قَد عَلِق فِي نُفُوْس الْنَّاس مِن الْشَّوَائِب وَالْبِدَع الْمُخَالَفَة لِهَدْيِه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم ، وَاخْتَار (رَحِمَه الْلَّه) إِمَارَة عَجْمَان لَبِث دَعْوَتِه وَنَزَل فِي ضِيَافَة حَمِيْد بْن عَلِي الْمَزرُوعِي ،وَكَانَت يَدُه مَعْصَوَبِه مِن أَثَر ضَرْبَة الْسَّيْف ,وَأَثْنَاء تَوَاجُدِه فِي عَجْمَان عُرِّضَت عَلَيْه فِكْرَة افْتِتَاح مَدْرَسَة يَسْتَفِيْد مِنْهَا أَبْنَاء عَجْمَان فَوَافَقعَلَى هَذِه الْفِكْرَة, وَتَحْمِل الْوَجِيْه / مُحَمَّد بْن سَالِم بْن خَمِيْس السُّوَيْدِي ” الْمَشْهُوْر بِكُنْيَتِه أَبُو خَمِيْس ” كُل مَا تَحْتَاجَه الْمَدْرَسِه فَوَفَّر لَهَا الْمُقَر وَغَيْرِه مِن الْضَّرُوْرِيَّات وَسَمَّاهَا بِمَدْرَسَة الْفَتْح ، لَكِن شُهْرَتُهَا بِاسْمِه غَلَب عَلَى شُهْرَتُهَا بِهَذَا الْاسْم ، وَكَان الْشَّيْخ عَبْدِالْكَرِيْم الْبَكْرِي يَعْقِد حَلَقَات الْفِقْه لِعَدَد مِن الْطَّلَبَة , وُيُسَاعِد بَعْض الْأَسَاتِذَة الَّذِيْن تَوَلَّو تَدْرِيْس الْرِّيَاضِيَّات وَالَفَقة وَعُلُوْم الْدِّيْن وَتَعْلِيْم الْكِتَابَة وَالانَشَاء وَالْتَّارِيْخ.
وَكَانَت لَه حَلَقَات عِلْمِيَّة أُخْرَى تَبْدَأ مِن بَعْد صَلَاة الْفَجْر مُبَاشَرَة حَيْث يَحْمِل الْطَّالِب أَدَاة إِنَارَة (الْفَنَر) أَثْنَاء ذَهَابِه إِلَى الْمَسْجِد , وَقَبْل انْعِقَاد حَلْقَة الّفَقَة فِي الْمَدْرَسَة تُعْقَد حَلْقَة دِيْنِيْة فِي الْمَسْجِد , بَعْدَهَا يَذْهَب كُل طَالِب لِتَنَاوُل وَجْبَة الْأَفْطَار ثُم يَجْلِسُوْن فِي حَلْقَة الّفَقَة فِي الْمَدْرَسَة الَّتِى قَد تَسْتَغْرِق سَاعَة وَنِصْف الْسَّاعَة إِلَى سَاعَتَيْن, فَأَقْبَل عَلَيْهَا الْطُّلاب مِن نَوَاحِي إِمَارَات الْخَلِيْج ، وَلَاسِيَّمَا مِن الْإِمَارِات الْمُجَاوِرَة كَالشَارِقة وَأُم الْقُوِين ، كَمَا قَصَدَهَا بَعْض طُلَاب الْعِلْم الْنَّجْدِيِّيْن لِلَّدِّرَاسَة فِيْهَا وَالْتَّلَقِّي عَن الْشَيْخ (رَحْمَة الْلَّه) ، وَقَد أَقَام فِيْهَا سَكَنَا لِلْطُّلَاب الْمُغْتَرِبِين ، فَكَان رَحِمَه الْلَّه لَيْس لَه هَم إِلَا الْقِيَام بِنَشْر الْعِلْم فِي هَذِه الْمَدْرَسَة ، وَالْوَعْظ وَالْإِرْشَاد وَالتَّوْجِيْه إِلَى الْتَّمَسُّك بِأَهْدَاب الْدِّيْن الْقَوِيم فِي الْمَسَاجِد وَالْمَحَافِل وَالْمَجَالِس الْعِلْمِيَّة حَتَّى ذَاع صِيَتُه ، وَاشْتَهَرّت دَعْوَتِه ، وَكَتَب الْلَّه تَعَالَى لَه الْقَبُوْل فِي تِلْك الْبُلْدَان وَبَارِك الْلَّه تَعَالَى فِي عِلْمِه وَدَعَوْتُه وَانْتَفَع الْنَّاس بِه انْتِفَاعَا كَبِيْرا ،فَقَد بَذَل حَيَاتَه ، وَكُرِّس جُهْدِه فِي بَث الْعِلْم وَالْدَّعْوَة إِلَى الْلَّه تَعَالَى وَنُشِر مَذْهَب الْسَّلَف الْصَّالِح فِي رُبُوْع الْخَلِيْج حَتَّى صَار عَلَيْه مَدَار الْفَتْوَى فِي تِلْك الْإِمَارَة وَالْمَرْجِع فِي الْعُلُوم الْشَّرْعِيَّة وَحَتَّى أَنَّه لَقِّب (شَيْخ وَمُفْتِي سَاحِل عُمَان) ، وَكَان(رَحْمَة الْلَّه) آَمِرا بِالْمَعْرُوْف نَاهِيَا عَن الْمُنْكَر، لَا تَأْخُذُه فِي الْلَّه لَوْمَه لَائِم ، شَدِيْدا عَلَى أَهْل الْبِدَع وَالْمَعَاصِي ، مَع حَدِّه فِيْهَا ، مِمَّا أَثَار خُصُوْمِه وَأَعْدَاؤُه ، فَتُعْرَض فِي سَبِيِل ذَلِك إِلَى بَعْض الْأَذَى ، فَكَان صَابرا مُحْتَسِبَا مَا أَصَابَه فِي سَبِيِل الْلَّه تَعَالَى ، وَكَان (رَحْمَة الْلَّه) يَمِيْل فِي فَتَاوَاه وَأَجْوِبَتِه الْشَّرْعِيَّة وَكَذَا فِي مَنْهَجِه الْتَّعْلِيْمِي إِلَى مَنْهَج الْمُحَدِّثِيْن،تَأَثُّرا بِمَشَايخِه مِن عُلَمَاءالْحَدِيْث فِي الْهِنْد
وَيُعْتَبَر الْشَّيْخ عَبْدِالْكَرِيْم الْبَكْرِي رَحِمَه الْلَّه هُو مِن الْعُلَمَاء الَّذِيْن كَان لَهُم فَضْل كَبِيْر فِي تَطْوِيْر الْتَّعْلِيْم فِي أَمَّارَة الْشَّارِقَة وَبَاقِي الْأَمَارَات كَمَا تَوَلَّى الْقَضَاء فِي عَجْمَان.