الْشَّيْخ /إِبْرَاهِيْم بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِاللّه الْمِدْفَع ( رَحِمَه الْلَّه )

الْشَّيْخ /إِبْرَاهِيْم بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِاللّه الْمِدْفَع ( رَحِمَه الْلَّه )

- ‎فيسيرة الذين تربطهم علاقة معه
2288
0

الْشَّيْخ /إِبْرَاهِيْم بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِاللّه الْمِدْفَع ( رَحِمَه الْلَّه )
أَحَد رُوَّاد الْتَنْوِيْر

 

شَمَال سُوْق الْعَرْصَة وَفِي قَلْب مِنْطَقَة الْمْرِيجَة الَّتِي تَفُوْح بِأِرَيْج الْأَزْمَان الْغَابِرَة فِي الْشَّارِقَة، أَسَّس إِبْرَاهِيْم بْن مُحَمَّد الْمِدْفَع مَكْتَبَتِه الْخَاصَّة عَام 1933، وَالَّتِي تَحَوَّلَت إِلَى مُلْتَقَى لِأَهْل الْفِكْر وَالْثَّقَافَة، وَبُؤْرَة لِلْوَعْي الْوَطَنِي وَالْقَوْمِي، حَيْث شَهِد ذَلِك الْمَجْلِس الْعَدِيْد مِن الْمُبَادَرَات الْرِيَادِيَّة وَالْإِسِهَامَات الْمُهَمَّة الَّتِي أَغْنَت الْوَاقِع الإِمَارَاتِي عَلَى الْصَّعِيْد السِّيَاسِي وَالِاجْتِمَاعِي وَالْثَّقَافِي، فَقَد جَمَع الْمِدْفَع فِي مَجْلِسِه بَيْن الْثَّقَافَة وَالْسِّيَاسَة.
وَأَصْدَر صَحِيْفَة «عَمَّان» عَام 1927م كَأَوْل صَحِيْفَة فِي تَارِيْخ الْإِمَارِات، ثُم أَصْدَر بَعْد ذَلِك صَحِيْفَة «صَوْت الْعَصَافِيْر» عَام 1933م بَعْد تَوَقُّف الْصَّحِيْفَة الْأُوْلَى عَن الْصُّدُوْر. وَإِضَافَة إِلَى أَهَمِّيَّة مَجْلِس الْمِدْفَع الْأَدَبِيْة وَالْفِكْرِيَّة حَيْث تَؤُمُّه شَخْصِيَّات مُهْتَمَّة بِالْأَدَب وَالْتَّارِيْخ، فَإِنَّه يُعْتَبَر مِن أَهَم الْمَتَاحِف الْتُّرَاثِيَّة وَذَلِك لاحْتِوَائِه عَلَى مِلْقّف هَوَائِي «بّارْجِيل» فَرِيْد مِن نَوْعِه فِي الْإِمَارَات وَمِنْطَقَة الْخَلِيْج، وَهُو يُشْبِه الْمِئْذَنَة.
كَمَا يَضُم الْمَجْلِس كَتَب إِبْرَاهِيْم الْمِدْفَع وَأَوْرَاقِه ودِرَاساتِه، هُنَاك تَشْعُر بِمَعْنَى الْزَمْن وَبِالْقِيَمَة الَّتِي اسْتَطَاع الْمِدْفَع تَكْرِيْسَهَا بَعْد أَن أُوْقِف حَيَاتِه عَلَى تَعْمِيْق الْوَعْي الِاجْتِمَاعِي وَالْثَّقَافِي، وَتَتَأَمَّل مَكْتَبَتِه الَّتِي تَزِيْد عَلَى 400 كِتَاب وَطَاوَلْتُه وَدُوَاتَه وَأَشْيَاءَه الْخَاصَّة، وَكَأَنَّهَا لَا تَزَال تُحَمِّل نَبْضِه وَتُرْسَم سِيْرَتِه الْثَّمِيْنَة.فَهُو مِن رُوَّاد الْعَمَل الْوَطَنِي وَالْإِصْلَاح الِاجْتِمَاعِي الَّذِيْن تَحَمَّلُوْا عِبْء الْمَشْهَد الْأَدَبِي وَالْثَّقَافِي وَاتَّخَذُوا مَنْهَجَا وَطَرْقَا لِخِدْمَة مُجْتَمَعُهُم فَعَمَدُوا إِلَى إِنْشَاء الْمَدَارِس وَافْتِتَاح الْأَنْدِيَة وَالْمَجَالِس الْأَدَبِيْة وَتَأْسِيس الْصُّحُف.جُذُورعَرِيقَة
ا
نْتَقُلت أَسِرَّة الْمِدْفَع مِن عَمَّان، مُنْذ زَمَن بَعِيْد يَعُوْد إِلَى الْقَرَن الْثَّامِن عَشَر وَهِي مِن قَبِيْلَة الْحَرْث فِي بَلْدَة مُضَيْرّب وَنَزَلَت بَلْدَة رِيَام ثُم انْتَقَلَت لِتَسْتَقِر فِي الْشَّارِقَة عَام 1690 وَأَصْبَحُوْا مِن أَشْهَر تُجَّارُهَا وَحَقِّقُوا مَكَانَة اجْتِمَاعِيَّة مَرْمُوْقَة. وَكَان لَهُم نَشَاط كَبِيْر فِي تِجَارَة الْلُّؤْلُؤ وَاقْتِنَاء الْسُّفُن الْشِّرَاعِيَّة الْضَّخْمَة الَّتِي كَانَت تُجْلَب الْتُّمُوْر مِن الْبَصْرَة وَالْأَرْز وَالْبَهَارَات وَالْعُطُوْر مِن الْهِنْد وَإِفْرِيقْيَا وَإِمْدَاد الْغَوَّاصِين وَتُجَّار الْلُّؤْلُؤ وَالْمُتَاجَرَة فِيْه وَتَصْدِيْرِه إِلَى الْهِنْد كُل ذَلِك أَدَّى إِلَى تَحْقِيْقُهُم لِشُهْرَة وَاسِعَة فِي شَرْق الْبِلاد وَغَرْبِهَا.وَمِن الْأَسْمَاء الْبَارِزَة فِي عَائِلَة الْمِدْفَع حُسْن عَبْد الْلَّه الْمِدْفَع أَحَد كِبَار تُجَّار الْشَّارِقَة وَعَبْد الْلَّه بْن حَسَن الْمِدْفَع مُؤَسِّس الْمُنْتَدَى الْإِسْلَامِي الْأَدَبِي فِي الْشَّارِقَة 23- 1924 م وَعَبْد الْرَّحْمَن بْن حَسَن الْمِدْفَع سَفِيْر الْلُؤْلُؤ فِي الْهِنْد، وَآَمِنَة الْمِدْفَع صَاحِبَة أَوَّل الْمَجَالِس الْأَدَبِيْة الْثَّقَافِيّة الْنِّسَائِيَّة بِالشَارِقة فِي بِدَايَة الْقَرْن الْمَاضِي. وَمُحَمَّد عَبْد الْلَّه وَالِد إِبْرَاهِيْم الْمِدْفَع، وَهُو أَوَّل مَن فَكَّر فِي جَمْع تَارِيْخ سَاحِل عَمَّان وَوَقَائِعِه وَسَافَر مِن أَجْل ذَلِك وَاسْتَدْعَى ذَوِي الْخِبْرَة لِأَخْذ الْمَعْلُوْمَات.هَؤُلاء جَمِيْعُهُم كَان لَهُم دَوْر فِي مُعْطَيَات الْحَيَاة الْثَّقَافِيّة وَالاقْتِصَادِيَّة فِي الْشَّارِقَة خَاصَّة وَالْإِمَارَات عَامَّة. فَقَد شَهِدَت الْشَّارِقَة تَغَيُّرَات وَتَطَوُّرَات سِيَاسِيَّة وَاقْتِصَادِيَّة وَاجْتِمَاعِيَّة أَثَّرَت قَدِيْمَا وَحَدِيْثا فِي تُحَوِّل الْمِنْطَقَة وَبُرِّزَت بَيْن هَذِه التَّطَوُّرَات قِيَادَات كَان مِن بَيْنِهِم أَجْدَاد وَآَبَاء إِبْرَاهِيْم الْمِدْفَع.وَقَد عَاصَر الْمِدْفَع الْأَحْدَاث الْسِّيَاسِيَّة وَالاقْتِصَادِيَّة وَالاجْتِمَاعِيَّة مُنْذ وِلَادَتِه عَام 1909 وَتَعْلَم مَبَادِئ عِلْم الْتَّوْحِيْد وَالْعُلُوم الْدِّيْنِيَّة عِنْد الْشَّيْخ عَبْد الْكَرِيْم الْبَكْرِي الْنَّجْدِي، وَالْخَط عِنْد أَحْمَد بْن عَبْد الْرَّحْمَن الهَرَمس وَخَتَم الْقُرْآَن وَهُو صَغِيْر الْسِّن. وَحِيْن شَب الْمِدْفَع عَلَى الْمَفَاهِيْم الْوَطَنِيَّة وَالْقُوَّمِيَّة سَاهَم وَرِفَاقُه فِي جَلْب الْكُتُب وَالْصُّحُف وَالْمَجَلَّات الْعَرَبِيَّة إِلَى مَجَالِس الْنَّاس الْمُتَطَلِّعِين إِلَى الْمَعْرِفَة. فَقَد كَان الْمِدْفَع مُشْتَرَكَا فِي الْعَدِيْد مِن الْصُّحُف وَالْمَجَلَّات وَعَلَى اتِّصَال مَع الْعَدِيد مِن الْأُدَبَاء وَالْمُفَكِّرَيْن الَّذِيْن تَبَادُل مَعَهُم الْرَّسَائِل وَالْمُكَاتَبَات.
وَتَفَاعَل الْمِدْفَع مَع أَحْدَاث الْمِنْطَقَة وَالْوَطَن الْعَرَبِي، فَكَتَب الْقَصَائِد وَالْمَقَالَات وَالرَّسَائِل الَّتِي كَانَت تَهْرَب إِلَى بُوْمْبَاي لَتُرْسَل مِن هُنَاك إِلَى الْصُّحُف الْعَرَبِيَّة ، بِسَبَب مَا تَحْوِيْه سُطُوْرِهَا مَن فَضَح لِبَطْش الاسْتِعْمَار وَاسْتِغْلَالُه.
أ
وَل صَحِيْفَة فِي الْشَّارِقَة فِي أَوَائِل الْقَرْن الْعِشْرِيْن بَرَز الْمِدْفَع رَائِدَا صِحَافِيَّا فِي الْإِمَارَات حِيْنَمَا أَصْدَر فِي الْشَّارِقَة أَوَّل صَحِيْفَة عَام 1927م أَسْمَاهَا (صَحِيْفَة عُمَان) وَكَانَت نِصْف شَهْرِيَّة، وَقَد صَدَرَت بِانْتِظَام دَوْرِي لِمُدَّة عَام وَاحِد. وَصَدَرَت مِن مْلَحْقين كَبِيْرَيْن وَكَانَت تُكْتَب بِخَط الْيَد وَيُوَزِّع مِنْهَا حَوَالَي خَمْس نُسَخ تُتَدَاوَل بَيْن الْأَصْدِقَاء فِي الْفُرَيْج وَعَلَى بَعْض الْشَّخْصِيَّات
مِمَّن يَعْرِفُوْن الْقِرَاءَة وَمِنْهُم الْشَّيْخ سُلْطَان بْن صَقْر بْن خَالِد الْقَاسِمِي حَاكِم الْشَّارِقَة 1924-1952 م ، وَالْشَّيْخ عَبْد الْلَّه بْن عَلِي الْمَحْمُوْد وَالْأَدِيْب مُبَارَك بْن سَيْف النَاخِي وَمُحَمَّد بْن عَلِي الْمَحْمُوْد وَغَيْرِهِم مِن مُثَقَّفِي الْشَّارِقَة الَّذِيْن حَصَّلُوْا عَلَى قِرَاءَة مَا كَان الْمِدْفَع يَكْتُبْه نُقْلَا عَن بَعْض الْمَجَلَّات وَالصُّحُف الْعَرَبِيَّة وَمَا يَرِد إِلَيْه مِن أَخْبَار الْعَالَم الْعَرَبِي.
وَتَضَمَّنَت صَحِيْفَة عَمَّان مَوْضُوْعَات عِدَّة مِنْهَا أَخَبَار الْشَّارِقَة وَالْمَنْطِقَة وَحِكَايَات عَن الْبَدْو وَأَخْبَار الْغَوْص وَالْأَسْفَار، وَكَذَلِك احْتَوَت عَلَى مَوَاضِيْع سِيَاسِيَّة. وَقَد اشْتَرَك فِي تَحْرِيْر الْصَّحِيْفَة الْأَدِيب وَالْمُؤَرِّخ عَبْد الْلَّه بْن صَالِح الْمْطَوِّع، وَأَحْمَد بْن حَدِيْد، وَمُبَارَك بْن سَيْف النَاخِي، وَحُمَيْد بْن عَبْد الْلَّه الْكِنْدِي، وَحَمِد بَن عَبْد الْرَّحْمَن الْمِدْفَع. ثُم أُسِّس صَحِيْفَة «صَوْت الْعَصَافِيْر» مَع بَعْض الْمُثَقَّفِيْن عَام 1933 ،
وَقَد جَاءَت لتنتَقَد الْأَوْضَاع الْمَحَلِّيَّة بِأُسْلُوب لَاذِع وَتَهْاجم الْتَدَخُّل الْأَجْنَبِي، وَاعْتَمَدْت صَحِيْفَة الْعَصَافِيْر بِدَوْرِهَا عَلَى الْصَّحَافَة الْعَرَبِيَّة الَّتِي كَانَت تَصِل الْبِلَاد مِثْل صَحِيْفَة الْأَهْرَام وَمَجَلَّة الْهِلَال وَمَجَلَّة الْمَنَار وَصَحِيْفَة فِلَسْطِيْن وَصَحِيْفَة الْفَتْح وَصَحِيْفَة الْشُّوْرَى وَالْعُرْوَة الْوُثْقَى وَأُم الْقُرَى وَالْرِّسَالَة. وَكَانَت صَحِيْفَة صَوْت الْعَصَافِيْر صَحِيْفَة حَائِطِيَّة تُكْتَب بِخَط الْيَد وَبَعْد أَن يُتِم تَحْرِيْرِهَا كَان الْمِدْفَع يَقُوْم بِتَوْزِيعُهَا عَلَى مَن يُشَارِكُه هُمُوْمُه، ثُم يُعَلِّق كُل عَدَد جَدِيْد مِنْهَا عَلَى بَاب مَجْلِسِه لِيَقْرَأَهَا مَن يَمُر فِي الْطَّرِيْق.
مَنَاصِب مُتَعَدِّدَة
وَكَان إِبْرَاهِيْم الْمِدْفَع لَه حُضُوْر فِي مُخْتَلِف الْمَظَاهِر وَالْفَعَّالِيَّات الْثَّقَافِيّة وَالاجْتِمَاعِيَّة وَالْوَطَنِيَّة ، فَإِلَى جَانِب الْرِّيَادَة فِي الْصَحَافَة، اهْتَم بِالْشِّعْر الْفَصِيح وَالْنَّبَطِي وَدَافِع بِفِكْرِه وَقَلْمِه عَن قَضَايَا الْوَطَن وَالْأُمَّة وَكَان شَدِيْد الْحِرْص عَلَى قِيَام دَوْلَة الاتِّحَاد حَيْث سَاهَم فِي وَضْع لَبِنَاتِه الْتَّأْسِيْسِيَّة الْأُوْلَى.
وَكَان الْمِدْفَع كَاتِب الْسِّر وَالْأَمِين عَلَى الْمَال لِلْشَّيْخ سُلْطَان بْن صَقْر الْقَاسِمِي وَلِلْشَّيْخ صَقْر بْن سُّلْطَان فِيْمَا بَعْد ثُم تَرَأَّس الْعَدِيْد مِن الْمَنَاصِب الْإْدَارْيّة وَمَثَل حُكُوْمَة الْشَّارِقَة فِي مَكْتَب مُقَاطَعَة إِسْرَائِيْل وَفِي مَجْلِس الْحُكَّام وَمَجْلِس الْتَّطْوِيْر، وَاسْتَمَر فِي أَدَائِه الْوَطَنِي وإِسِهَامَاتِه الْبَارِزَة.
كَمَا عَمِل مُسْتَشَارَا خَاصَّا لِلْشَّيْخ خَالِد بْن مُحَمَّد الْقَاسِمِي حَاكِم الْشَّارِقَة الْسَّابِق رَحِمَه الْلَّه، وَاسْتَمَر فِي هَذَا الْمَنْصِب حَتَّى بِدَايَة عَهْد صَاحِب الْسُّمُو الْشَّيْخ الدُّكْتُوْر سُلْطَان بْن مُحَمَّد الْقَاسِمِي، ثُم اسْتَقَال وَاعْتَزَل الْعَمَل الْحُكُومِي بَعْد أَن اعْتَلَت صِحَّتِه، وَانْتَقَل إِلَى رَحْمَة الْلَّه فِي الْثَّامِن عَشَر مِن مَارِس عَام 1983م.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *